فوائد الكمبيوتر
يمكن اعتبار الخبرات الشخصية ذخيرة للارتقاء بقدرات الفرد نفسه والآخرين الذين تتاح لهم فرصة الاستفادة منها ، وكثيرون هم الذين يمارسون بعض المهارات بناء على دراسة علمية متخصصة أو هواية وميل ذاتي يمكنهم من اكتساب الخبرة ، وقد يصلوا إلى درجة اعتبارهم مرجعا يستفاد منه في هذا المجال0 صحيح أنه لا يمكن الاستغناء عن الكتب في تلقي وممارسة أي خبرة جديدة ، لكن يبقى العنصر ذو الأهمية الكبرى وهم الأشخاص الممارسون لها تطبيقا أو المتخصصون علميا فيها ، ولذلك فإن محاولة الاستفادة من العناصر البشرية في عملية تلقي الخبرات والمهارات هو أمر لا مناص عنه، بل قد يصل الحال إلى ضرورته وإلزامية الاستفادة منه ..
سقت هذه المقدمة الطويلة أمام الحديث عن فوائد الكمبيوتر الذي بزغت شمسه خلال السنوات الأخيرة ، وجرف تياره الملايين من البشر في كل أنحاء العالم ، وهو بدون شك جهاز ساحر - إن صح التعبير - ففيه من المغريات والجاذبية لمستخدميه ما لا يمكن أن يجدوه في غيره من مصادر المعرفة أو منابع الخبرة والمهارة0 استطاع " الكمبيوتر" أن يأخذ عقولا كثيرة من اهتمامات كانت تسيطر عليها ، وتمكن خلال فترة وجيزة أن يعيد صياغة هذه العقول بأسلوب مغاير لما كانت عليه ، كما أنه أتاح لها فرصا جديدة لاستثمار قدراتها الشخصية ، ويمكن القول أن هذا الجهاز العجيب استطاع أن يضع الكثيرين من مستخدميه على طريق جديدة في حياتهم الشخصية والعملية وأن يبرز أفواجا من المبدعين ويكشف عن مهارات لم تكن في حسبان أصحابها ، وليس من المستبعد أن يأتي اليوم الذي تتغير فيه ملامح مجتمعات بأكملها نتيجة انتشاره كوسيلة من وسائل التعلم ومصدر من مصادر المعلومات0
من سلسلة الفوائد التي لا يمكن إنكارها لهذا الجهاز بثه روح " الجدية " و " المثابرة " للوصول إلى نتائج أفضل في أسلوب العمل لدى الفرد المستخدم له ، وهو بدون شك يساهم بفعالية كبيرة في تنظيم الأعمال الشخصية أو الرسمية ، وإخراجها في شكل جميل وجذاب و واضح0
وكأي جهد بشري فإن استخدام الكمبيوتر لا يخلو من السلبيات التي قد تؤثر في شخصية المستخدم ، وتتحدث وسائل الإعلام والدراسات العلمية عن تلك السلبيات مثل انتشار الكآبة بين كثير من المستخدمين ، ويشعر معظمهم بآلام الظهر وتوتر العضلات وخاصة عضلات الرقبة وغيرها ، وهو يؤدي بالفرد في حالات عديدة إلى الانعزال عن المجتمع والانكفاء عليه ولكن هذه الحالات قد تكون ناتجة من حيث المبدأ عن مشكلات شخصية لا علاقة لها بالكمبيوتر ولكن المصابون بها وجدوا فيه صديقا يأسرهم ويهربون إليه حتى من ذواتهم0
رغم تلك السلبيات فإن التجربة الشخصية مع الكمبيوتر تجعلني أطالب كل المثقفين والمتعلمين بضرورة الدخول في هذا العالم المفعم بالخبرات والمهارات التي لا يمكن الاستغناء عنها في هذا العصر، وإذا لم يسارع الفرد للاستفادة من الفرص المتاحة له اليوم فإنه سيدفع الكثير لكي يلحق بالركب غدا، ولعل أكثر الأفراد الذين تزداد حاجتهم إلى "الكمبيوتر" هم الأفراد العاملون في مجال التعليم ابتداء من الروضة وحتى الدراسات العليا ، ومن لا يصدق فليجرب ، وليلاحظ من حوله من المستخدمين للكمبيوتر وغيرهم ممن لم يدخلوا بعد في هذا العالم0
عصر قرصنة الحاسوب
أعلن اتحاد منتجي برامج الكمبيوتر التجارية في الشرق الأوسط (BSA ) عن خطة جديدة لتطوير جهوده خلال الأشهر المقبلة للسيطرة على ظاهرة استنساخ البرامج غير المشروعة في أسواق المنطقة ، وتوقع الاتحاد انخفاضا ملحوظا في ظاهرة القرصنة ، خاصة في كل من مصر والسعودية " نشر هذا الخبر مع تفصيلات أخرى في مجلة" اقتصاديات السوق العربي العدد السابع الصادر في شهر أغسطس 1997 هـ ، وهو خبر يحمل في طياته وبين أسطره علامات مؤلمة لما يحدث في المنطقة العربية من عمليات القرصنة المعلوماتية ، لكن لابد وأن نقف طويلا لإبداء وجهة نظر لعلها تساعد في حل هذه المشكلة التي باتت تؤرق شركات الكمبيوتر العالمية والمحلية 0
من تفاصيل الخبر أن أكبر نسبة خسائر شركات الكمبيوتر كانت في المملكة حيث بلغت حوالي 25% من جملة خسائرها في الوطن العربي ، وتليها في الترتيب مصر حيث بلغت الخسائرحوالي 14 % من المجموع الكلي ، صحيح أن هذه الخسائر لايرضاها أحد ولولم تكن له أدنى علاقة بعالم الكمبيوتر فهي قضية أخلاقية قبل كل شيء و ليست من سمات المجتمع العربي المسلم ، ورغم صدور العديد من الفتاوى الشرعية والتحذيرات الرسمية فإن القرصنة ما تزال مستمرة وبأساليب متعددة ، وبطبيعة الحال فإن الجهود المكافحة تستمر في طريقها لعلها تنجح في مهمتها الصعبة00!
ولا أدري هل يمكن التفكير في هذه المشكلة من ناحية أخرى غير المصلحة المادية والمعنوية للشركات ذات العلاقة ، فالفرد في المجتمع العربي كأي فرد يعيش في أنحاء العالم له الحق في امتلاك آخر كما وصلت إليه تكنولوجيا المعلومات ، ومن حقه الاستفادة من إمكاناتها الواسعة والضخمة التي توفرها لمستخدميها ، ولكن تقف أمام طموحاته ورغباته عقبات عديدة أهمها الأسعار المبالغ فيها لبرامج الكمبيوتر الأصلية إضافة إلى أن أسعار الأجهزة نفسها ليس في متناول أيدي الكثيرين من أبناء الوطن العربي ، والمواطن العربي أمام طموحاته ورغبته الأكيدة في تنمية قدراته وتحقيق أحلامه المعلوماتية قد لايتمكن من الوصول إلى أدنى مستوى في توفير ما يحتاج إليه من تجهيزات أو برامج طالما هي أسعارها باهظة ومبالغ فيها00! هذه القضية ليست جديدة فقد نوقشت في أكثر من مطبوعة ولقاء ، وكانت جميع الأطراف - تقريبا - تقف إلى جانب الشركات في مجابهة المواطن العربي مكتوف اليدين ، ولم تفكر أية جهة في حماية حقوقه كإنسان يعيش في عالم التكنولوجيا المتطورة وفي عصر تفجر المعلومات ، ولم تبد أية جهة رغبتها في مساعدته على تحقيق أمنياته الراقية فعلا ، والطموحة إلى تطوير ذاته ومجتمعه ، وكأن هذه الجهات لا يهمها هذا المواطن من قريب أو بعيد بل كل الذي تريد فعله إثبات جدارتها في حماية حقوق الشركات الأجنبية والتي تمتص دماء هذا المسكين بأساليب عديدة ، وتقوم هذه الجهات بدور المدافع عن حقوق الشركات وحمايتها من تلاعب المواطن العربي بها 0
وللحق يجب القول بأنه كما أن للشركات حقوق الإنتاج والابتكار ويجب حمايتها من أيدي العابثين ، فإن للمواطن العربي - كأي إنسان - حقوق الاستفادة من منتجات الحضارة المعاصرة ، وطموحات لابد من تحقيقها بأسلوب العصر ، ولعل من أبسط الحلول لهذه القضية أن تقوم جهات رسمية وأهلية وتجارية بمبادرة - إنسانية - للتخفيف من ارتفاع الأسعار والحد من جشع الشركات المنتجة والموزعة وذلك بالضغط عليها لتقليص نسبة الأرباح ، ثم لابد من قيام مؤسسات محلية لإنتاج البرامج التي يحتاجها المواطن العربي وبيعها له بأسعار تتناسب ومستوى الدخل والمعيشة في دول المنطقة بصورة عامة0
لعل هذا الاقتراح يكون خطوة ضمن الخطوات التي يمكن أن تحد وتوقف من عملية القرصنة التي تئن منها الشركات ، ويئن المواطن العربي من الأسعار الباهظة للبرامج والأجهزة ، وفي الوقت نفسه سيصبح من غير المجدي لأي جهة استمرارها في عملية القرصنة باعتبار التيسر المتوقع حدوثه في عملية البيع للأجهزة والبرامج 0 إن عملية التخفيف عن الفرد الطموح إلى تطوير ذاته ومجتمعه لابد وأن يكون هاجس كل مؤسسة أو أفراد لهم دور في صنع القرار في عالمنا العربي، ولا يمكن الاكتفاء بمعسول الكلام لتحقيق هذا الهدف ، بل لا بد من القيام بجهود حثيثة وعملية وواقعية للوصول إلى نتائج مثمرة تعود بالخير على الفرد والمجتمع والأمة0 نحو استثمار أذكى للكمبيوتر أضحى انتشار أجهزة الكمبيوتر في العالم قضية تستحق المناقشة والتفكير ، فهذا الجهاز - بدون شك - يمثل إحدى صور الحياة المعاصرة و المستقبلية ، وسيبقى مسيطرا على أساليب الحياة المختلفة - والله أعلم - لفترات طويلة مع ما تحمله الحياة من متغيرات قد تفاجيء البشرية بما لم يخطر لها على بال والتوسع في استخدام هذا الجهاز ليس بالأمر السهل فقد بسط نفوذه على كثير من الأعمال التجارية والعلمية والشخصية ، وليتني أجد بين يدي إحصائية بعدد الذين يمتلكون هذا الجهاز بصورة شخصية في العالم كله وفي المنطقة العربية على وجه الخصوص ، لعلي أستأنس بها في معرفة عدد المستفيدين استفادة حقيقية من الذين جعلوه في بيوتهم أو مكاتبهم كالتحفة الجميلة التي يفاخرون بامتلاكها ، أو في بعض الحالات كلعبة من ضمن لعب الأطفال لكنها بين أيدي الكبار أي جهاز أو آلة يمتلكها الفرد أو المؤسسة لابد من استثمارها قدر الإمكان حتى يمكن اعتبار قيمتها المادية المدفوعة في شرائها في مكانها الصحيح ، وخاصة إذا كانت القيمة هذه باهظة ، وإن لم تستثمر هذه الأجهزة بطريقة صحيحة فمن المؤكد أن ما دفع من أجل شرائها أضحى في مهب الريح كثير ممن يمتلك الكمبيوتر بصورة شخصية أو مؤسسية لا يعرفون من استخدامه إلا الحد الأدني ، ولو أنهم حاولوا لوجدوا أنفسهم أمام عالم فسيح مفعم بالخبرات والمهارات التي تساعدهم على تطوير أدائهم الوظيفي ، وتمكنهم من تنظيم أعمالهم وبعضهم لايعرف من هذا الجهاز - رغم ضخامة المبالغ التي دفعوها لشرائها - إلا عالم الألعاب والترفيه البريء وغير البريء ورغم أن البعض يحاول استثماره في مجال عمله تطويرا لأدائه وتنظيما لإنتاجه العلمي والفكري إلا أن العديد من المعوقات تحول دونه وما يرغب ، على سبيل المثال يوجد الكثير من المعلمين ممن أصبح على صلة قوية بالكومبيوتر ولديه من الطموحات الشيء الكثير ، لكنه يواجه بعدم موافقة مدير المدرسة أو الموجه على استعمال الجهاز في أي جزئية من عمله ، لعلل وتبريرات ليس لها أي حجة علمية أو منطقية ، اللهم إلا جهل هؤلاء المعارضين بحقيقة الجهاز ومدى الفائدة التي يمكن جنيها من وراء استعماله على المعلم والطالب والعمل نفسه ولا أدري هل سيبقى هذا النوع من التفكير والرؤية غير العادلة تجاه الكمبيوتر إلى أجل طويل أم أن هذه العينات سينساها الزمن ويتركها تعيش في أوهامها من الخوف والريبة في أمانة ومصداقية المعلمين ، ولا أدري إلى متى يظن هؤلاء المترددون أنهم باقون في أماكنهم واستمرارهم في إصدار قرارات المنع وملاحقة المعلمين الذين يستعملون الكمبيوتر في تنظيم أعمالهم التدريسية أو الإدارية 00
الكمبيوتر هذا الجهاز الذي صنع أصلا ليخدم الإنسان ويساعده في تطوير أعماله والارتقاء بمستويات الأداء للأفراد والمؤسسات لايمكن أن نقف أمام وجهه ، ولو حاول البعض ذلك اليوم فإنهم أمام خيارين لا ثالث لهما ، فإما أن يستسلموا في نهاية المطاف أو أن ينصرف عنهم التاريخ إلى آخرين غيرهم ، لأنهم لا يستحقون الدخول في عالم مليء بالمتغيرات والتجديدات وليس لديهم القدرة على مجاراة المستجدات وبالتالي فهم أول الخاسرين وليس هؤلاء وحدهم الذين سيخسرون أنفسهم بل يمكن أن نضم إليهم كل الذين لا يحاولون الاستفادة من إمكانات هذا الجهاز واكتفوا منه بالمستويات الدنيا من خدماته وهؤلاء لا يختلفون عن الفئة الأخرى التي تحارب الجهاز والمستخدمين له ومن الوسائل التي تعين على الاستفادة القصوى من الكمبيوتر مداومة الإطلاع على آخر الأخبار وأحدث ما وصل إليه عالم الكمبيوتر فهو عالم لا يقف عند حدود اليوم أو الأمس ، بل هو عالم الغد دائما ، فأيما أمرئ يملك جهازا ولا يبادر إلى الإطلاع عن طريق القراءة في الكتب و المجلات المتخصصة ، إلى جانب الاستفسار من أهل الخبرة والممارسين السابقين له وزيارة الأماكن التي تتعامل مع هذا الجهاز بيعا وتسويقا حيث الجديد الدائم هناك فهو يحجم نفسه وقدراته ، وبالتالي يتخلف عن الركب خطوات واسعة جدا ليس هذا الكلام دعاية لمؤسسات الكمبيوتر ولا المطبوعات الخاصة به ، وإنما هي محاولة لتوجيه الانتباه إلى الأساليب الصحيحة في تطوير الأداء للفرد والمؤسسة ، ولايكفي أن يشتري الفرد أو تمتلك المؤسسة مجموعة من الأجهزة دون عملية التطوير المستمرة وتوفير آخر المستجدات المساعدة في عملية التطوير، وإلا ستصبح هذه الأجهزة مع الأيام مجرد أكوام من الآلات التي عفا عليها الدهر وليس لها مكان في عالم الغد الم
بقلم - ايوب البشتلي / المرجع - الموسوعة العربية للكمبيوتر